غربة الشاعر الحديث في الكون والمدينة ـ ظاهرة الشعر الحديث

الموضوع:

ورد في مؤلف " ظاهرة الشعر الحديث " لأحمد المعداوي المجاطي ما يأتي:
" ولقد قادتنا دراستنا للمضامين الشعرية الحديثة إلى تقسيمها إلى تجربتين اثنتين: تجربة الغربة والضياع، وتجربة الموت والحياة ... ولعل أقرب هذه التجارب إلى تصوير الدمار الذي عَمَّ الأشياء والأنفس عقب النكبة، هي تجربة الضياع والغربة ..." 

أحمد المعداوي المجاطي، ظاهرة الشعر الحديث
شركة النشر والتوزيع المدارس، الطبعة الثانية 2007، الدار البيضاء، ص 63 ومابعدها.



انطلق من هذه القولة، ومن قراءتك المؤلف النقدي، ثم اكتب موضوعا متكاملا تنجز فيه ما يأتي:
ـ ربط القولة بسياقها داخل المؤلف.
ـ رصد ألوان الغربة في الكون والمدينة في الشعر العربي الحديث
ـ بيان المنهج الذي اعتمده الكاتب في دراسة هذا الموضوع.
ـ إبداء الرأي الشخصي في الموضوع، مع التعليل.


الإنجاز:
عرف الشعر العربي تحولات نوعية في القرن العشرين لم يعرف لها مثيلا طيلة مساره التاريخي الطويل، ذلك أن تغييرات كبيرة قد مست مضمون وشكل القصيدة العربية، و هذه التحولات هي التي عمل الناقد أحمد المجاطي على تتبعها في دراسته النقدية: " ظاهرة الشعر الحديث " حيث ميز في هذا الصدد بين حركتين تجديديتين: حركة الشعر الذاتي، ثم حركة الشعر الحديث التي شكلت ظاهرة إبداعية ثورية تمردت على الأشكال والمضامين الشعرية القديمةوإذا كان هذا الناقد المغربي قد استخلص من دراسته للشعر العربي الحديث أن هذا النمط الشعري قد جنح عقب نكبة فلسطين إلى تصوير حالة الاغتراب التي هيمنت على نفسية الإنسان العربي، فقد عمل على دراسة هذه التجربة الشعرية وتتبع مظاهرها وألوانها، فما هي إذن أهم ألوان الغربة؟ وما المنهج المعتمد في عرض هذا الموضوع؟

لقد وردت القولة ـ موضوع التحليل ضمن التمهيد الذي وضعه الناقد للفصل الثاني من المؤلف " وهو فصل خصصه لتجربة الغربة والضياع التي غذت المضامين الشعرية الحديثة بفعل تفاعلها بواقع اجتماعي وسياسي مأزوم تحكمه مشاعر الهزيمة ومفارقات الواقع الإنساني وكانت أقرب إلى رسم حالة الانهيار النفسي المهيمن على الشعوب العربية عقب نكبة فلسطين، وإذا كان المجاطي قد أبرز في مؤلفه ألوانا من الغربة حفلت بها دواوين الشعر العربي الحديث فإننا سنتوقف عند لونين أساسيين منها هما الغربة في الكون والغربة في المدينة.
فبالنظر للون الأول فقد رصد الشاعر في دواوين صلاح عبد الصبور أدونيس ويوسف الخال وبدر شاكر السياب وغيرهم شعور شعراء الحداثة بالوحدة والتفرد في كون لا يحكمه المنطق والعقل، وقد كان شعورهم هذا نتاجا لإحساسهم بالذل والمهانة وضياع المكانة التاريخية عقب نكبة فلسطين، فأدونيس مثلا اعتبر الكون متاها يتغلغل الشاعر في أرضه كالمسمار بلا صوت ولا إرادة.
أما اللون الثاني فيتعلق بإحساس الشاعر الحديث بالغربة في المدينة فالقارئ لديوان " مدينة بلا قلب " مثلا لأحمد عبد المعطي حجازي، يتأكد من المرارة التي يشعر بها الشاعر وهو يصور ما عرفته المدينة من تحولات على مستوى هندستها وواقعها، والعلاقات الاجتماعية القائمة فيها، فهي مدينة غلب عليها الطابع المادي تراجعت فيها القيم الإنسانية النبيلة، فهي مدينة بلا قلب ولا حب، تقسو على الأحياء والأموات وتشغل الناس عن أنفسهم.
وقد اعتمد المجاطي في تناوله لهذا الموضوع مقاربة تكاملية، استفادت من مبادئ وأسس مناهج متعددة من بينها المنهج الموضوعاتي والنفسي فاعتماد المنهج الموضوعاتي يبدو واضحا في تقسيم الناقد لموضوع الغربة إلى مظاهر وألوان كالغربة في الكون وفي المدينة، وفي الحب وفي الكلمة، كما يتجلى في تمييز تجربة الغربة والضياع عن تجربة الحياة والموت، أما المنهج النفسي فيتمثل في ربط الناقد تبلور تجربة الغربة والضياع بالصدمة النفسية والحالة الشعورية المترتبة عن نكبة 1948
يتبين من كل ما سبق أن الناقد أحمد المجاطي قد استطاع الإحاطة بموضوع الغربة في الشعر الحديث، والتعمق في عواملها والتفصيل في مظاهرها وألوانها، وهو أمر يؤكد القيمة النقدية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث الذي شكل علامة بارزة ورائدة في النقد العربي حيث تمكن من التحليل العميق لمختلف مظاهر التحول الذي عرفه الشعر مع حركة الشعر الحديث.

عبد القادر زين الدين

الحوار المتمدن 29 ـ 06 ـ 2015