تكثيف المكان في " عين الفرس " للميلودي شغموم

تكثيف " المكان " في " عين الفرس ":

اشتهر الميلودي شغموم بعنايته الفائقة بعناوين رواياته التي تروم إرباك القارئ من خلال تجاوز ـ ما ألفناه في الروايات التقليدية من عناوين، ف " الضلع والجزيرة " و" الأبله والمنسية وياسمين "، و" عين الفرس " و" مسالك الزيتون "... كلها عناوين تستفز القارئ وتوحي بتوتر حاد بين محفل الإنتاج ومحفل التلقي، وفي الواقع، يعتبر العنوان عتبة لا يمكن تجاوزها في قراءة الأعمال الروائية لهذا المبدع، فهي تشير إلى أهم المكونات السردية التي يراهن عليها في بناء خصوصيات الخطاب.
ـ تكثيف المكان في العنوان:
يدل العنوان بغموضه والتباسه على صنعة روائية حديثة ومنفردة تؤسس مسافة بينها وبين أفق انتظارنا، فإذا كان العنوان في الأعمال الروائية التقليدية يزداد وضوحا كلما توغلنا في قراءة العمل، فإن عنوانا مثل " عين الفرس " يزداد غرابة كلما والتباسا مع قراءة كل فصل من فصول الرواية، فالسارد يعمد إلى إقحام العنوان في صلب لعبة السرد عن طريق التردد والتراجع، والتناقض مما يؤدي إلى خلق تعتيمات إضافية[1], وقد اخترنا الانطلاق من عنوان رواية شغموم لارتباطه بعنصر الفضاء المكاني، إن لم نقل إنه يكثفه تكثيفا شديدا في هذا العمل السردي المتميز.
لا يستمد عنوان " عين الفرس " غرابته من تركيبه اللغوي ودلالته الحرفية على ذلك العضو من جسم الحيوان، بل تتوالد الغرابة من كونه عنوانا لعمل روائي، أن غموضه يستفز القارئ ويثير في ذهنه تساؤلات لا يجد لها أجوبة إلا عند نهاية قراءة النص والوقوف عند اشتغال مكوناته وخصائصها، وما أن يشرع في تصفح الرواية حتى يجدها تنقسم إلى قسمين: "رأس الحكاية" و "الذيل والتكملة"، وينقسم كل قسم إلى ثلاثة فصول يعنون كل واحد، على التوالي، بحرف من حروف كلمة "عين" وهكذا نصبح أمام "عين" في "الرأس" وأخرى في "الذيل"، ونتحول من "الفرس" إلى "الحكاية"، وبذلك تخلق طريقة بناء الرواية إحساسا بوجود بناء معماري موسوم بالتعدد والاختلاف والتعقيد، وبوجود عالم عجيب ينزاح عما هو مألوف في الطبيعة، إن هذه الرواية التي تراهن على المزج بين "الواقعي" و"العجيب، تحكي "المتخيل بامتدادته الأسطورية، في تواشج مع متغيرات الواقع، إنها تقول شيئا وتقصد شيئا آخر، أي إنها تتحدث عن الخرافي وتتغيى الواقعي أو العكس"[2]، وفي هذا السياق يصبح النص الروائي نصا ممتلئا وكثيفا، فهو يرتكز على التلميح والإيحاء، فنرى الواقع بإحباطاته وهزائمه، وركوده أكثر غرابة ومعقولية من الأسطورة، ونرى الأسطورة أكثر معقولية من الواقع، ويأخذ السارد بأيدينا حين ينبهنا إلى كون التشخيص النقدي للواقع يرتكز في الرواية على ما فوق ـ الطبيعي لكون وقائعه وحكاياته تقبل الاختلاف والإنشاء، فهو يقول:
" ربما كان هذا الإحساس هو الأصل في نشوء الأسطورة، ولكن من أين لي أن أعرف ـ آنذاك ـ أني كنت أساهم في تحويل الواقع إلى أسطورة، وأنا أجهل الحدود الفاصلة بين الواقع واللاواقع، وأنا أرى قرى تتفتت في كل الأنحاء، برا وبحرا، خارجا وداخلا: أ لم أكن أظن أني أحاول أن أفك الواقع من أسر الأسطورة؟ " [3]
وفي موضع آخر يوضح: " لهذا السبب كم فكرت في اختلاق حوادث لا واقعية ولا معقولة، تكون مجرد إنشاءات شخصية، لأن الحوادث الواقعية والمعقولة ظلت تبدو لي لا واقعية ولا معقولة بشكل تام، وكأن الأمر يتعلق بحوادث وراء هذه التي نضيع وقتنا في الاهتمام بها، وكأن هذه الحوادث التي تظهر لنا حوادث هامشية وسطحية وضعت لنا وضعا، ولكن بإتقان، لكي تلهينا عما هو جوهري وحقيقي، وكأن الحوادث الواقعية ـ المعقولة فعلا من خارج هذا الكوكب ـ الذي يبدو لنا ساكنا ـ وتخضع لمنطق مخالف لكل أنواع المنطق السائد على وجه الأرض، لمنطق غير العين والذاكرة " [4]
لقد ألقت هذه المزاوجة بين الواقعي والعجيب بظلالها على تجنيس النص وجعلته يقف عند تخوم عدة أنواع، فهو، بما يتضمنه من توقع وتحولات غريبة وزمن مستقبلي، يلامس حدود رواية الخيال العلمي، كما أن تلوين عالمه بما هو فائق للطبيعة وما تتضمنه حياة شخوصه من خفايا وأسرار، وظهور السارد كما لو كان يملك مفاتيح تلك الخفايا وحده، كلها عناصر تقرب النص من الرواية الصوفية، ومن جهة أخرى، تبدو الرواية الاجتماعية الإيديولوجية، نوعا ملائما لتصنيف " عين الفرس " التي ترتكز على وجود أطروحة تتضمن مثلا أعلى من خلاله يتم التشخيص النقدي للواقع، وتتلخص الأطروحة في تلك المحاكمة الأخلاقية للذات اللامبالية والمتفرجة على ما يحدث ويجرى أمامها، مما يولد الغربة والاحساس بالذنب.[5]
المكان وتعدده الدلالي في لعبة السرد.
تستمد العناصر البانية للنص الروائي أهميتها وملامحها الخاصة من ذلك السياق النوعي الذي يتغذى من تقاطع عدة أنواع، ومن توظيف معطيات خرافية وعجيبة تؤسطر الواقع وتقدمه في صورتين دفعة واحدة. ولعل أبرز ما يسم تلك العناصر هو لمحة التكثيف. فالشخوص والأحداث والزمان والمكان كلها امتد إليها عمل التكثيف بدرجات متفاوتة. ونحن نعتقد أنه إذا كانت "الشخصية" قد جاءت في المرتبة الأولى من حيث درجة الكثافة في "الأبله والمنسية وياسمين" فإن "المكان" هو الذي حظي هذه المرتبة في "عين الفرس". إن الشخصيات الروائية، بالتباسها واختلاف طرق الحكي عنها وتعدد رؤيا النظر إليها، تحولت في الرواية الأولى إلى ما يشبه اللغز. وفي الرواية الثانية تحول "المكان" إلى لغز يحير القارئ، فما نكاد نقبض على دلالة من دلالته حتى نفاجأ بدلالة أخرى يضيفها إليه مجرى السرد. إن "عين الفرس"، باعتباره اسما يطلق على أماكن مختلفة، تحول إلى علامة تحمل مدلولات معارضة. وقد نبهنا السارد في افتتاحية الرواية إلى ما سنلاقيه من خلط بين أماكن عديدة:
"إلا أني في كلتا الحالتين سأكون شيخا ضعيف الذاكرة والعقل والخيال، هرما ميالا إلى الخلط بين التواريخ والأحداث، وكذلك بين المصادر والأسماء، ناهيك عن الزمان والمكان، وعن الباطن والظاهر، وعن الحلم والخيال، وعن الحقيقة والوهم، وعن الماضي والحاضر والمستقبل"[6]

أـ تغريب المكان وأسطرته: يتم تغريب المكان منذ أول عبارة يفتتح بها السرد، وذلك من خلال علاقة المكان (إحدى الإمارات الكئيبة) بزمن الوقائع المكونة للحكاية، وهو زمن يقع في المستقبل البعيد (2081)، وفي الواقع ينقسم المكان في "عين الفرس" إلى مكانين:
ـ مكان مغلق: وهو قصر الأميرال الذي يكتسي ملامحه من مجالس الحاكم التي تجعله فضاء للمتناقضات. ونحن نلاحظ أن هذا المكان لا يقدم إلينا من خلال تحديد مميزاته العمرانية والهندسية، بل يقدم إلينا في علاقته بالشخوص التي تجعله فضاء يكثف ملامح فئة اجتماعية، وهي السلطة الحاكمة. إنه للإمتاع والمؤانسة والتسلية والمكر والخديعة والحساب والعقاب والقهر والرعب والمكر والرياء، في آن واحد، وهو مكان يحضن قصة الراوي محمد بن شهر زاد مع الأميرال أبو السعد بنسعيد:
" أمر الأمير، وارث حظه الأميرال أبوالسعد بنسعيد، بإحضاري إلى قصره، وكنت إذ ذاك قد اعتكفت، مدة عام، في بيتي مكثرا من الصلاة والصيام والتأمل..  أجلسني الأميرال، أصلح الله أمره، بين غلمانه ومؤنسيه من شعراء ومغنيات ومهرجين وعلماء وهو يسألني عن أحوالي فوصفتها له بكثير من العناء والحزن والخوف إلى أن تعب وكاد يغضب فتدخل كبير مؤنسيه، وكان الأميرال قد أشار إلى إحدى المغنيات فأخذت تعدد محاسنه بشكل شديد المبالغة وكأنها تهجوه" [7]
ـ مكان واسع ومنفتح على البحر: وهو بلدة شاطئية صغيرة تدعى "عين الفرس" إنه مكان مؤسطر لكونه يحضن وقائع عجيبة، ففيه تدور حكاية "الولد الضال والرجل الطيب" التي يرويها محمد بن شهر زاد الأعور داخل مجلس الأميرال، بعد أن رواها محمد النفال الذي وصلت إليه بدوره من خلال رواة آخرين. ويستمد المكان أبعاده العجيبة من خلال انفتاحه على البحر، الذي يبتلع سكانه بعد أن أغوتهم أكذوبة أطنان " البسطيلة" الملقاة داخله، فاقتحموا من أجلها لجته دون عودة، وإذا كان هذا المكان يحضن أحداث حكاية تشبه خرافة هو جزء لا يتجزأ منها فإننا نفاجأ بالراوي محمد بن شهر زاد ينفيه الأمير إلى المكان نفسه بعدما أنهى سرد حكاية "الولد الضال والرجل الطيب "، فتختلط علينا الخرافة بالواقع، لقد كان ثمن السرد عن "عين السرد" باهظا:  الاتهام بالخيانة والخداع. وحين يتم جلد الراوي واستجوابه من قبل كبير المؤنسين، يلجأ إلى مضاعفة دلالات "عين الفرس"، فيصبح الاسم دالا على أشياء وأماكن عديدة، وعلى اللامكان أيضا، وهو ما يلخصه هذا الاستجواب الذي نسوقه على الرغم من طوله:
ـ أين توجد عين الفرس؟
يا للسؤال البليد ! أيمكن أن يطرح هذا السؤال من كبير المؤنسين !؟
ـ لا توجد في أي مكان، قلت لكم إنه في كل الدنيا لا يوجد مكان بهذا الإسم وإن وجد فعلا فأنا أعرف أن ذلك مجرد صدفة !
هم يظنون أننا نحكي لنتحدث عن مكان معين ونحن نذيب المكان لتكون الحكاية ممكنة:
ـ نحن على يقين أننا توجد في مكان ما، وفي مكان غير بعيد عنا ! بالطبع مكان الحكاية، كونها أقرب إلينا من حبل الوريد، ولكن ...
ـ في رأس الفرس، الحيوان الذي اسمه الفرس.
لم أكن أمزح، فقد حاولت أن أكون في مستوى تفكيره، إلا أنه غضب حتى اختلط الثعلب برفيقيه، فحاولت أن أستدرك:
ـ في بيت الأمير، هي الآلة الصغيرة التي في بيت الأمير!
ضحك بخبث بليغ هذه المرة:
ـ نعرف إذن أنها توجد في هذين المكانين: رأس الفرس وبيت الأمير ! (...)
ـ هناك مكان ثالث توجد فيه، هذا بالضبط ما نريد أن نعلمه منك ! (...)
ـ إنها اسم سري لإحدى المدن الشاطئية بالإمارة ! (...)
ـ أرأيت، يا سيدي، كيف تكون الحكاية واقعية أحيانا !؟ أنا والله ما صدقت يوما أن الحكاية خرافة أو وهم، كنت أظن أن الحكاية، كهذه التي رويتها لكم، تاريخ أعم وأشمل وربما أدق من كل تاريخ يكتبه المؤرخون اليوم !" [8]
يتضمن هذا الاستجواب سيلا من المفارقات اللفظية المرتبطة ب "عين الفرس" مما يولد نبرة ساخرة تجد في التوتر والدراميى ضالتها، فالمكان أصبح المحرك الفعلي لما يجري من أحداث، فمحمد بن شهر زاد اتخذ "عين الفرس" إطارا مكانيا يحضن وقائع الحكاية العجيبة التي يريد ظاهريا أن يسلي بها الأمير باعتبار الحكب وسيلته في الكسب، لكنه أصبح ضحية ذلك المكان المتخيل وما شهده من وقائع، ف "عين الفرس" هي مدينة شاطئية توجد بإمارة الأمير، والحكي عنها بلغة ماكرة تغلف الواقعي بالخرافي هو نوع من التعريض بالأمير ونقد لسير شؤون إمارته. وعبثا يحاول الراوي / البطل إخفاء مقاصده من خلال التردد والتعتيم في تحديد دلالة " عين الفرس" لكونها تعد مشتركا لفظيا تلتقي فيه أسماء عدة أماكن، لكن الحكم يصدر في حقه:
ـ أمرنا نحن الأمير وارث حظه أبا السعد بنسعيد، بما يلي:
أولا عزل عين الفرس عن بقية مدن وأنحاء الإمارة إلى أن تطهر.
ثانيا تكميم فم حاكينا الأسبق، محمد بن شهر زاد الأعور، ونفيه إلى عين الفرس.
ثالثا، يقضي محمد بن شهر زاد الأعور، في عين الفرس مدة تسعين يوما مكممما معلقا السم في عنقه، ثم يحمل إلينا، بعد انقضاء هذا الأجل، ليتجرع السم في حضرتنا " [9]
عندنا ننقل إلى القسم الثاني " الذيل والتكملة" تتحول "عين الفرس" إلى مكان للنفي والعزلة عن العالم، وتقترن في انفتاحها على البحر بالاختفاء والموت واللغز المحير، وهكذا نعاين السارد / البطل يتحول فيما بعد أن أخرجه الصيادون من كيس عثروا عليه بشاطئ المدينة ولأن المكان تتضاعف غرابته من خلال إحساس السارد بمعرفته المسبقة بالمدينة، ومعرفة سكانها بقصته مع الأمير، لا يجد محمد بن شهر زاد غير الصور البريئة والمسالمة لوصف تلك المدينة وصفا يتناقض مع وضعه بها (النفي والتكميم). وهذا يشكل الوصف وواقع الحال طرفي مفارقة:
" عين الفرس" مدينة شاطئية صغيرة مرتفعة قليلا عن سطح الماء، في شكل هضبة تناثرت البيوت البيضاء الناصعة على جهتها المطلة على البحر، بحيث تبدو المناظر إليها من جهة الشاطئ وكأنها تتدلى، مثل باقات من الورد الأبيض، من عنان السماء، ولأن السماء تختلط بالبحر، بالنسبة للناظر إليها من إحدى الهضاب الأقل ارتفاعا الملتصقة بها، فإن المدينة تظهر آنئذ وكأنها البياض الذي يربط بين عمق البحر وارتفاع السما، كما لو كانت جبل ثلج عظيما يشكل سلما يصل بين ما تحت وما فوق وما حول ...
وعلى كل حال، فهذا هو انطباعي الأول عن كل تلك المدينة ... لقد أخرجني بعض الصيادين من الكيس، ولما رأوا حالي رقوا لي ونصحوني بأن أبحث لي عن مكان .. [10]
لا ينسجم وصف المدينة في هذا المقطع، مما فيه من إحساس بالجمال والطمأنينة، مع الحالة السيئة التي تقدم لنا عن وضع الوصف ( ولما رأوا حالي رقوا لي )، فهل يخدع السارد القارئ بعد أن خدع الأمير؟ أيضمر هذا الوصف استمرارا في المكر، أم أنه نوع من التقية والحرص على تجنب ما قد تفضي إليه صراحة اللسان وصدقه من عواقب؟.
تفرض هذه الأسئلة نفسها أكثر عندما نلاحظ ذلك الإصرار المتعمد من السارد على الاستمرار في الوصف "الإيجابي " و "البريئ " لمدينة كان الحكي عنها سببا في سجنه، مع إرفاق الوصف بنظرة الناس إليه التي يفترض أن تعمق الإحساس بالمحنة:
" وكنت أجلس على قمة كل هضبة أتأمل "عين الفرس" التي بدت لي ـ من جميع هذه القمم الخمس ـ كما كانت سفينة بيضاء بين زرقتين صافيتين ... وذلك إلى ما بعد العصر بقليل، ثم عدت إلى الأزقة والمنازل والمحلات أتفحصها فتبين لي ـ بما يشبه الحلم أو الرؤيا أو التذكر ـ أني أعرف الكثير منها ! ولقد فوجئت بالناس يحيونني ويذكرون اسمي وكأني واحد منهم، وكثيرا ما كنت أسمعهم يحكون لبعضهم قصتي معلقين على ذكري ـ أو مجرد رؤيتي ـ بعبارات قصيرة من نوع " هذا هو الرجل الذي توهم بأنه صديق الأمير ! " أو " لم يعرف المسكين أن السلطة لا تحتاج إلا إلى الخدم ! " و" دارت الآلة والمغفل عنها غافل !" أو " ‘‘إنه رجل غلبه لسانه !" ... [11]
ب ـ المكان قوة فاعلة أساسية في النص:
ينزلق الحديث بنا عن المكان في رواية " عين الفرس " في شتى الاتجاهات، فما خضع له من تكثيف شديد وما حظي به من عناية يجعله البطل الحقيقي والقوة الفاعلة الأساسية المحركة للأحداث في النص، حوله تدور الحكاية ومنه تكتسب أبعادها الأسطورية والواقعية، هو فضاء للنفي والقمع والجمال وتناسل الأوهام والأكاذيب التي تتعايش جنبا إلى جنب، هو الواقع والمحتمل، الذكرى والحلم والرؤيا. إنه المتشابه في الاسم والمختلف في الأبعاد والدلالات، تتعدد زوايا النظر إليه، ومنه تستمد الشخوص قوتها على اختلاق الأوهام وتصديث الوعود الكاذبة، وفيه تعلن عجزها عن إيقاف الكارثة التي تهدد الجميع. نتعب ونتلهف على امتداد النص لمعرفة حدوده، فيقاومنا بتعدده ونسبيته، وعندما تتم القراءة نكتشف أننا من ضحاياه. إن " عين الفرس" ليست مجرد عين حيوان، أو آلة لتضخيم الصوت تشبه رأس فرس بعين واحدة، أو بلدة خرافية، أو مدينة شاطئية لها وجود جغرافي واقعي .. بل هي كل ذلك، وهي الرواية نفسها باعتبارها مكانا مصنوعا من أوراق وكلمات.



[1][1] أحمد اليابوري: دينامية النص الروائي ص 110
[2]  المرجع نفسه، ص 114
[3]  عين الفرس ص 66
[4] عين الفرس ص 71
[5] انظر في هذا الصدد: عبد الحميد عقار: الرواية المغاربية تحولات اللغة والخطاب ص 140 ـ 141
[6]  عين الفرس ص 5
[7]  عين الفرس ص 6
[8]  عين الفرس ص 38 ـ 39
[9]  عين الفرس ص 42
[10]  عين الفرس ص 47
[11]  عين الفرس ص 47
المرجع: " بلاغة تكثيف المكان في روايتي " الجنازة " و "عين الفرس ". د العلمي الدريوش، مجلة بلاغات، العدد الأول، شتاء 2009 ، محور العدد: بلاغة الرواية