القراءة التركيبية لمؤلف ظاهرة الشعر الحديث ( ذ. مرزاق )

القراءة التركيبية لمؤلف "ظاهرة الشعر الحديث"
إعداد الأستاذ رشيد مرزاق

1 المناهج النقدية التي وظفها المجاطي في التحليل:
حينما نتتبع كتاب ظاهرة الشعر الحديث في محاولته تفسير أهم التطورات والتحولات التي أصابت الشكل والمضمون في الشعر العربي الحديث على مدى عشرين سنة امتدت بين النكبة والنكسة، نجد أن أحمد المجاطي كان يعتمد في تحليله ودراسته للظاهرة على خلفيات منهجية متنوعة يحددها سياق البحث وأهدافه، ويمكننا استعراض أهم المناهج التي اعتمد عليها الباحث على الشكل التالي:
- المنهج التاريخي:
يجمع النقاد على المنهج التاريخي واحد من أكثر المناهج اعتمادا في ميدان البحث الأدبي لأنه أكثر صلاحية لتتبع الظواهر الكبرى في الأدب ودراسة تطوراتها، ووهو منهج يتخذ من حوادث التاريخ السياسي والاجتماعي وسيلة لتفسير الأدب وتعليل ظواهره، كما أنه يفيد في تفسير تشكل خصائص اتجاه أدبي ما، ويعين على فهم البواعث والمؤثرات في نشأة الظواهر والتيارات الأدبية، لذلك نجد أن أحمد المجاطي قد وظف معطيات هذا المنهج حينما ركز على دراسة الشعر العربي الحديث الممتد في فترة تاريخية محددة بين النكبة والنكسة، وقد كان دائما يحيل على التحولات التاريخية التي أثرت في تحولات هذا الشعر شكلا ومضمونا، ونجده استخدم المنهج التاريخي في الفصل الأول حينما كان يمهد للحديث عن طاهرة الشعر الحديث باستحضار التيارات الأخرى التي سبقته ومهدت لظهوره.
- المنهج الاجتماعي:
إذا كان المنهج الاجتماعي يعتبر الأدب انعكاسا وتأثرا وتأثيرا متبادلا بين الأديب وواقعه، والتزاما بموقف ورؤية تجاه قضايا المجتمع، فإن هذا المنهج كان حاضرا بقوة في كتاب ظاهرة الشعر الحديث، وخاصة في الفصلين الثاني والثالث، حينما كان المجاطي يكشف العلاقة الوثيقة بين الشاعر العربي وواقعه المتأزم، وكيف أن الشعراء عبروا عن رفضهم لهذا الواقع ونادوا بضرورة تغييره ولو بالموت والتضحية من أجل توفير حياة أفضل.
- المنهج النفسي:
استخدم أحمد المجاطي كذاك المنهج النفسي في تحليله لظاهرة الشعر الحديث، وقد كان يشير كثيرا في الفصلين الثاني والثالت إلى نفسية الشعراء التي تأرجحت بين الإحساس بالأمل والإغراق في اليأس، وما كان لهذه الأحاسيس من تأثير وانعكاس على إنتاجهم الشعري، وقد استشهد بكثير من القصائد والأعمال الشعرية لشعراء كانوا يتخبطون في حالات نفسية متأزمة بسبب معاناتهم للواقع الحضاري المنحل والمنهار.
- المنهج البنيوي التكويني :
إلى جانب هذه المناهج السابقة لم يكن يستطيع المجاطي أن يتجاوز المنهج البنيوي التكويني في تحليله لظاهرة الشعر الحديث وخاصة على مستوى التطورات الشكلية المرتبطة بالإيقاع وباللغة وبالصور البيانية، حيث كان يركز على دراسة هذه التحولات التي مست البنية اللغوية أو الإيقاعية أو البيانية للكشف عن علاقتها بالمضمون وبالسياق العام الذي نشأت فيه التجربة ككل.
حينما نتتبع كتاب ظاهرة الشعر الحديث نجد أن المجاطي استخدم كل ما أتيح له من أليات ومناهج نقدية لتحليل الظاهرة وفهمها وتفسير التطورات التي عرفتها للوقوف على أهم خصائصها الشكلية والمضمونية، ولذلك لم يكن ممكنا أن يلتزم الباحث بمنهج نقدي واحد، لأنه إن ركز عليه سيقدم نظرة جزئية للظاهرة، ولذلك لم يكن المجاطي يجد حرجا في توظيف تقنيات وخصائص مستمدة من مناهج متعددة لتقديم رؤية شمولية للموضوع.
2 تقنيات التفسير والحجاج المستخدمة في الكتاب:
اعتمد أحمد المجاطي في نقاشه على مجموعة من الأساليب التي تنوعت بين الحجاج ورفض المغالطات والرغبة في تصحيح المواقف الخاطئة، وبين التفسير الذي يروم توضيح حقيقة الظاهرة وفهم أهم خصائصها الشكلية والمضمونية، ويمكننا استعراض الأساليب التي استخدمها المجاطي للتفسير او للحجاج أو لهما معا، ويبدو أن التفسير في هذا الكتاب هو الطابع الغالب وهو الهدف الذي يريده الكاتب لأنه يحاول تفسير ظاهرة الشعر الحديث وأهم خصائصها، إلا أنه كان مضطرا للحجاج حينما وجد دراسات سابقة ومواقف سابقة لا تتسم بالدقة والموضوعية اللازمة في الحكم على الشعر الحديث، ووجد نفسه مضطرا لدحض المواقف الخاطئة وتصحيحها، ويمكن حصر أهم التقنيات التفسيرية\الحجاجية كالآتي:
التمثيل: 
وذلك حينما يتناول المجاطي عينات تمثيلية للدراسة والبحث قصد استخلاص نتائج عامة تدعلنا نفهم الظاهرة، وهو ما فعله في الفصل الثالث حينما اكتفى بدراسة أدونيس وخليل حاوي والسياب والبياتي باعتبارهم خير من مثل التجربة. وإضافة إلى هذا فإننا نجد الباحث كان يتخذ أمثلة شعرية وأعمالا محددة لدراستها كأمثلة توضيحية مثل ما فعل في تحليل قصيدة "فارس النحاس" أو قصيدة "الحبيب الثالث" للعقاد.
الاستشهاد:
وهو الاستشهاد بأقوال الشعراء ومواقف النقاد والباحثين، ونجد أحمد المجاطي كثيرا ما كان يوثق الأقوال المقتطفة من مقدمات الدواوين أو من المجلات وخاصة مجلة الآداب، وكثيرا من الكتب والدراسات، ونجد كل هذه المراجع التي اقتطف منها الباحث ما يستشهد به ويعزز به مواقفه وتفسيراته مرتبة كلها في لائحة المراجع في نهاية الكتاب.
المقارنة:
وقد وذفها الباحث كثيرا في عدة فصول، نذكر منها الفصل الأول حينما قارن بين التيار الوجداني والتيار الإحيائي لإبراز أوجه الاختلاف بينهما، ووظفها كذلك في المقارنة بين بدر شاكر السياب وأمل دنقل ليكشف الفرق بين النفس التقليدي في لغة الشعر الحديث وبين مسألة القرب من لغة الحديث اليومي.
3 اللغة والأسلوب:
كتب المجاطي هذا الكتاب بلغة تغلب عليها التقريرية وتتميز بالوضوح، وهي لغة تلائم الكتابة النقدية الرصينة والأكاديمية الباحثة عن الدقة في التحليل والموضوعية في التفسير، وتزخر لغة الناقد بمعجم نقدي يجمع بين عدة حقول، حقل مرتبط بعلوم اللغة والبلاغة والعروض، وحقل اجتماعي وحقل تاريخي وآخر نفسي..، وقد توزعت هذه المفاهيم والمصطلحات حسب السياق الذي يستدعيها، وهي تعكس ثقافة موسوعية ومعرفة متخصصة ومعمقة تميز بها الناقد أحمد المجاطي، وقد ساعدته كثيرا في تحليله لظاهرة الشعر الحديث. 
4 قيمة المؤلف :
يعتبر كتاب "ظاهرة الشعر الحديث" من الناحية المعرفية عملا رائدا في مجال الدراسات الأدبية والنقدية والتاريخية، باعتباره خلاصة لما كتب عن الشعر العربي الحديث والمعاصر في المشرق والمغرب، وتجاوزا وتصويبا لكتابات ومواقف كانت إما متسرعة أو غير شمولية، وقد أستطاع المجاطي بهذا المؤلف أن يضع النقد المغربي في الواجهة، فكتاب المجاطي يضاهي في قيمته المعرفية ومستواه الأكاديمي كتابات نقاد كبار أمثال محمد النويهي وإحسان عباس وأدونيس ومحمد مندور ونازك الملائكة وعز الدين إسماعيل ووغيرهم ... وتبرز أهمية هذا المؤلف وقيمته في كونه تناول ظاهرة الشعر الحديث بالدراسة والتحليل للكشف عن أهم تطورات الممارسة الشعرية الحديثة شكلا ومضمونا خلال 20 سنة تمتد بين النكبة والنكسة، وتميزت مقاربته للظاهرة بالطابع الشمولي التكاملي، الذي استحضر التصور النظري والممارسة التطبيقية، مما جعل منها دراسة علمية موضوعية لا تكتفي بالوصف، وإنما تدعم ذلك بالاستشهاد والتحليل والتمثيل والاعتماد على الوسائل المنهجية والحجاجية واللغوية والأسلوبية المناسبة.