على عتبة عين الفرس ـ للميلودي شغموم


على عتبة عين الفرس ـ للميلودي شغموم
عبد القادر زين الدين -2019
الميلودي شغموم علم من أعلام القصة والرواية المغربية صدرت له منذ سبعينيات القرن الماضي العديد من الأعمال الأدبية والفكرية، تحتل من بينها رواية (عين الفرس[1]) موقعا متميزا أثبت آنذاك نضج واختمار تجربته الإبداعية.
إن دخول فضاءات عين الفرس والتجول في دروبها وأزقتها يستلزم ضرورة المرور على عتباتها، وتقديم التحية والتقدير لمبدعها الذي استطاع أن يدون اسمه ناصعا في عالم الرواية المغربية منذ ما يزيد عن أربعين سنة...
إن المرور على عتبة عنوان الرواية لا يفيد في الحصول على توضيحات أو إشارات كما تفعل عناوين عدد من الكتب، بل على العكس من ذلك يلقي عنوان الكتاب بالمتلقي في غابة من اللبس الذي لا تبدده لوحة الغلاف[2] حيث تزيده عمقا وإثارة، فإيقونة الفرس الواردة في اللوحة توهم بأن الموضوع يتعلق بالفرس فعلا، رغم وجود إيقونات أخرى من قبيل قرص الشمس التي آذنت بالمغيب، والظلام الذي أرخى سدوله على الغيوم والماء والشجر، وجعل منها علامات على الخوف والمجهول، وعلى كل حال فإننا سنضع في اعتبارنا ونحن نقرأ الرواية أن احتمال أن يدل اسم ( عين الفرس) على مكان على غرار مجموعة من الأمكنة التي تستهل أسماؤها بكلمة "عين" سواء في المغرب أو في غيره.
وبتخطي العتبات الأولى وفتح صفحات الرواية نجد بناء الرواية منتصبا بعمارته الفريدة، فعين الفرس مقسمة إلى قسمين: عنوان أولهما: (رأس الحكاية) وعنوان ثانيهما (الذيل والتكملة)، وهما عنوانان يجعلان السؤال عن مضمون الحكاية ذاتها مشروعا، ما دام أننا أمام رأس وذيل للحكاية لا غير، أليس هذا إشارة إلى أن القارئ ينبغي أن يبذل جهدا معرفيا للكشف عنها أوعن مابقي منها طي الكتمان دون كشف؟ أما عناوين الفصول ففيها ما يذكرنا بلحظة العبور عبر العنوان، فكل قسم من القسمين مقسم إلى ثلاثة فصول معنونة بحروف يشكل تجميعها كلمة (عين).
وإذا تركنا العتبات وراءنا وعزمنا على التجول في عين الفرس، فإننا نصطدم بما يعدنا به السارد في أوائل السطور من أنه سيروي وقائع غريبة، ومنها قصة الولد الرهيب والبنت العجيبة، وقائع حدثت سنة [3]2081، والسارد ذاته غريب ـ على حد ما يقدم به نفسه ـ لا تخضع حياته وموته لناموس الطبيعة، فهو قد عمر قرونا يحيا فيها مرة ويموت تارة أخرى، وتبعا لعمره الطويل الذي بلغ قرونا فهو شخص لا يمكن الوثوق به ـ حسب وصفه ـ لأنه هرم ضعيف الذاكرة والعقل والخيال يخلط بين الحقائق والأوهام وبين الأزمنة.والأمكنة...[4]
إن ما سبق ذكره يحيل على حقيقة واحدة وهي أن قارئ عين الفرس يلج عالما متفردا يستند إلى الخيال والأسطورة واللامنطق، غير أن له خيوطا رفيعة تشده إلى الواقع الذي نعيشه بدليل ما انتهت إليه الرواية من إسقاط لنظام الحكم، واقتسام الإمارة بين الأميرين الجديدين أبي العز وأبي المجد، على أن السارد يتوقع مزيدا من الانقسامات إلى تصبح كل قرية ومدينة إمارة[5]
والخلاصة إن الشروع في قراءة الرواية لا تدعمه يقينيات أوفرضيات واضحة، بل يستند فقط إلى الرغبة في اكتشاف الغريب والعجيب والغوص في تجربة روائية تختلف كل الاختلاف عن تجارب إبداعية عربية شهيرة تأسست على التشويق والإغراء.



 [1] رواية مغربية صدرت للكاتب الميلودي شغموم عن دار الآمان سنة 1988
[2] غلاف الطبعة الثانية، منشورات دار الأمان، الرباط، الطبعة الثانية 2005 
[3] عين الفرس ص 5
[4] نفسه ص 5-6